في "الأنواء" يدلّ على حظّ وافر من علم النجوم، وأسرار الفلك، فأما كتابه في "النبات" فكلامه فيه عروض كلام أبدي بدوي، وعلى طباع أفصح عربي، وقد قيل: إن له كتابًا يبلغ ثلاثة عشر مجلّدًا في القرآن، ما رأيتُه، وإنه ما سبق إلى ذلك النمط، هذا، مع ورعه وزهده، وجلالة قدره.
والثالث، أبو زيد أحمد بن سهل البلخي؛ فإنه لم يتقدّم له شبيه في الأعصر الأول، ولا يظنّ أنه يوجد له نظير في مستأنف الدهر؛ ومن تصفّح كلامه في "كتاب أقسام العلوم"، وفي "كتاب اختلاف الأمم"، وفي "كتاب نظم القرآن"، وفي "كتاب اختيار التبيين"، وفي رسائله إلى إخوانه، وجوابه عن ما يسأل عنه ويبده به، علم أنه خزانة بحر الجود، وأنه عالم العلماء، وما روى في الناس من جمع بين الحكمة والشريعة سواه، وإن القول فيه لكثير، فلو تناصرتْ إلينا أخبارهما، لكنّا نفرد لكلّ تقريظًا مقصورًا عليه، وكتابًا منسوبًا إليه، كما فعلنا بأبي عثمان.
قال ياقوت: قرأتُ في "كتاب ابن فُوَرَّجَة"، المسمّى "التجني على ابن جني" في الردّ عليه، في كتابه المسمّى "الفتح على أبي الفتح"، في تفسير قول المتنبي:
فدع عنك تشبيهي بما وكأنه … فما أحَدٌ فوقى وما أحدٌ مِثلي
وقال فيه ما لم يرضه ابن فورجة، ونسبه إلى أنه سأل عنه أبا الطيّب، فأجاب بهذا الجواب.
فأورد ابن فورجة هذه الحكاية: زعموا أن أبا العبّاس المبرد، ورد "الدينور"، زائرًا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه، وقضى سلامه، قال له عيسى: أيها الشيخ ما الشاة المِجَثَّمَة، التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أكلها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن، مثل اللَّجْبَة.