ولم يزل في منصب الفتوى، إلى أن لحق باللطيف الخبير، في سنة أربعين وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
قال في "الشقائق النعمانية": وكان السبب الحامل له على الاشتغال بالعلم، والباعث له على تحصيله، أنه رأى مرّة عند إبراهيم باشا بن خليل باشا، وزير السلطان المجاهد بايزيد خان، شخصًا رثّ الهيئة، خلق الثياب، جاء وجلس فوق بعض الأمراء الكبار المتقدّمين في الدولة، فاستغرب ذلك، وسأل عن السبب، فقيل له: هذا شخص من أهل العلم، يقال له: المولى لطفي.
فقال: أيبلغ العلم بصاحبه هذه المنزلة؟ فقيل له: نعم، وأزيد.
فانقطع من ذلك الحين إلى المولى المذكور، وقرأ عليه، ثم قرأ على غيره، إلى أن مَهَرَ، وصار إمامًا في كلّ فنّ، بارعًا في كلّ علم، تشدّ الرحال إليه، وتعقد الخناصر عليه. انتهى ملخَّصًا.
ودخل ابن كمال باشا إلى "القاهرة"، صحبة السلطان سليم خان بن بايزيد خان، حين أخذها من الجراكسة، وكان إذ ذاك قاضيًا بالعسكر المنصور، في الولاية المذكورة.
وأجاز له بعض علماء الحديث بها، وأفاد واستفاد، وحصّل بها علوّ الإسناد، وشهد له عُلماؤها بالفضائل الجمّة، والإتقان في سائر العلوم المهمّة.
قال في الشقائق: أبدع في إنشائه، وأجاد.
وكل مؤلّفاته مقبولة، مرغوب فيها، متنافس في تحصيلها، متفاخر بتملك الأكثر منها، وهى لذلك مستحقّة، وبه جديرة.
وكان رحمه الله تعالى في كثرة التأليف، وسرعة التصنيف، ووسع الإطلاع، والإحاطة بكثير من العلوم، في "الديار الرومية"، نظيرًا للحافظ جلال الدين السيوطي في "الديار المصرية".