يا أهل "البصرة": أنا شاب، وقد سألتموني أن أحدثكم، وسأحدثكم أحاديث عن أهل بلدكم، تستفيدونها، يعني ليست عندكم، وأملى عليهم من أحاديث أهل بلدهم مما ليس عندهم، حتى بهرهم، ومن ثم كثر ثناء الأئمة عليه، حتى صح عن أحمد ابن حنبل أنه قال: ما أخرجت "خراسان" مثله. وقال غير واحد: هو فقيه هذه الأمة.
وقال إسحاق بن راهويه: يا معشر أصحاب الحديث انظروا إلى هذا الشاب، وكتبوا عنه، فإنه لو كان في زمن الحسن البصرى لاحتاج إليه لمعرفته بالحديث وفقهه.
وقد فضله بعضهم في الفقه والحديث على أحمد وإسحاق، وقال ابن خريمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه، وورث من أبيه مالا كثيرا، فكان يتصدق به.
وكان قليل الأكل جدا، قيل: كان يقنع كل يوم بلوزتين أو ثلاث لوزات، وقيل: لم يكل الإدام أربعين سنة، قيل: كان يدخل عليه كل شهر من مستغلاته خمسمائة درهم، فكان يصرفها في الفقراء وطلبة العلم، وكان يرغبهم في تحصيل الحديث كثير الإحسان إلى الطلبة، مفرطا في الكرم، وأعطى خمسة آلاف درهم ربح بضاعة له، فأخر، فأعطاه آخرون عشرة آلاف، فقال: إني نويت بيعها للأولين، ولا أحب أن أغير نيتي.
وعثرت جاريته بمحبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين، فقالت: إذا لم يكن طريق كيف أمشي، فقال: اذهبي، فأنت حرة للَّه، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه أغضبتك، فأعتقتها، فقال: أرضيت نفسي بما فعلت، ولما بنى رباطا مما يلى "بخارى" أجتمع إليه خلق كثير يعينونه، فكان ينقل معهم اللبن، فيقال: قد كفيت، فقال: هذا هو الذي ينفعني، ولما رجع إلى "بخارى" نصبت له القباب على فرسخ منها، واستقبله عامة أهلها، ونثر عليه الدراهم والدنانير، وبقي مدة يحدثهم، وأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الذهلي نائب