ومنها: أنه حقّق الفرق بين البدعة والسنّة وأقيسة المجتهدين، واستحسانات المتأخّرين، والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير.
وما أحدثه الناس في القرون المتأخّرة، وتعارفوه فيما بينهم، فردّ بذلك مسائل استحسنها المتأخّرون من فقهاء مذهبه.
ومنها: أنه كان يأمر بما يراه معروفا، وينهى عن ضدّه، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يخاف من ذي سطوة في سلطانه، فكان ينكر على الأمراء، ويرشدهم إلى مراشد دينهم، وينفّرهم من صحبة الروافض، ومن شاكلهم من أعداء الدين، ويبذل لهم نصحه، فنفع الله كثيرا منهم بذلك، وصلحتْ بصلاحهم الرعية، فسدّ الله ثلمة ظاهر الدين، كما رقع به خرق باطنه، فهذّب به وبأصحابه في البلدان النائية فئام ممن وفّق لسبيل القوم، وذلك لأنه كان فقيها، ماتريديا، زكيّ النفس، حريصا على اتباع السنن، مجتهدا فيه، شديد النصح لأبناء زمانه، فجاءت لذلك -والله أعلم- طريقته وعلومه وشمائله محمودة عند المحقَّقين وأهل الإنصاف، ورغب فيها الناس، وقلّ ما تعقّب به وردّ من قوله، والمسائل التي سدّد بها النكير عليه بعض أهل العلم، والحقّ أنه مصيب في بعضها، وله تأويل سائغ في البعض الآخر، وقد شاركه فيها غيره من هذه الطائفة ممن لا يحصى كثرة، فليس إذا يخصّه الإنكار، ولو أخذناهم بأمثال ذلك لم ينج أكثر المتأخّرين منهم، ولا يتعين القول بالخطاء فيها إلا في مسألة أو مسألتين من باب السنن، قد اعتذروا عنه في أحدهما والعذر فيهما واحد، وقد شهد له بما ذكرت من فضائله أو بما يقرب منه، وأجاب عن شبهات المتقشفة، وذبّ عنه الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمرى الدهلوي، وأنعم الثناء عليه، فلم يتركْ فيه مجالا لعائب ولا مقالا لرائب، وكفاك به إماما يشهد لإمام، والقول ما قالتْ به حذام. انتهى.