قال الطحاوي: فكان في هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد دل على أن جز الشعر أحسن من تربيته، وما جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأحسن، كان لا شيء أحسن منه، ووجب لزوم ذلك الأحسن، وترك ما يخالفه، ومقبول منه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان هذا عنه، وإذا كان أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس سواه، أنه قد كان صار بعد هذا القول إلى هذا الأحسن، وترك ما كان عليه قبل ذلك مما يخالفه، والله نسأله التوفيق (١).
وهذا الكلام مدخول من وجهين:
الأول: القطع بأن هذه القصة متأخرة عن إعفاء الشعر، وإكرامه، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صار إليه بعد أن كان له شعر كثير، وأن الرسول ترك إعفاء الشعر لإجل هذه القصة لا شك أن هذا من الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، وقد عقدت فصلاً مستقلاً في إكرام الشعر وتسريحه ودهنه، مما يجعل الباحث يقطع أن السنة إعفاء شعر الرأس وإكرامه.
الثاني: الاعتقاد بأن هذا القصة تعارض الأحاديث الكثيرة في إكرام الشعر غير صحيح، والجواب عن هذا، أن يقال:
إن هذا الرجل كان شعره طويلاً كثيراً إلى حد الشهرة، فكان الأحسن تخفيفه عن حد الشهرة، ولذا ليس في الحديث أنه حلقه، وإنما جزه، ولا يصلح دليلاً للحلق إلا لو جاء في الحديث أن الرجل حلق رأسه، وربما حسن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جز شعره وتخفيفه نظراً لأنه لم يقم بحقه من تعهده وتنظيفه،