حملوا النهي في الأحاديث السابقة على الكراهة، والقرينة الصارفة عندهم أن ذلك أدب من الآداب، فلا يصل النهي فيها للتحريم، فيحتمل أن تكون الحكمة من النهي كون اليد اليمنى معدة للأكل بها، فلو استنجى بها لأمكن أن يتذكر ذلك عند الأكل فيتأذى بذلك، والله أعلم.
[دليل من حرم مس الذكر باليمين وكره الاستنجاء بها.]
قالوا: ثبت النهي عن مس الذكر باليمين، وعن الاستنجاء باليمين كما في حديث أبي قتادة المتقدم، لكن قالوا: إن الاستنجاء باليمين أقبح من مس الذكر حال البول؛ لأن في الأولى مباشرة إزالة النجاسة من طريق اليد اليمنى، وفي الثاني مسه فقط دون الاستنجاء، والذكر في نفسه طاهر، وليس بنجس، لهذا حملنا النهي على الأصل في إزالة النجاسة باليمين، وأنه للتحريم، وحملنا النهي على الكراهة في مس الذكر، لأنه بضعة من الإنسان، والله أعلم.
القول بالتحريم قول قوي؛ لأن الصارف ليس واضحاً؛ نعم يتساهل الفقهاء بالصارف لو وجد، ويصرفون اللفظ من الوجوب للندب، ومن التحريم للكراهة لأدنى صارف، لكن لم يظهر لي حكمة كونه أدباً من الآداب أن نحمله على الكراهة، ولا يخفى أن هذا الصارف ليس نصاً منصوصاً عليه، إنما هو شيء انقدح في النفس، وهي علة مستنبطة، فلا بد من حمله على الكراهة من قرينة جلية تكون سبباً في نقله من أصله الذي هو التحريم إلى الكراهة، والله أعلم.