بعد استعراض أدلة الفريقين نجد أن القائل بوجوب الوضوء من لحوم الإبل أسعد بالدليل، وليس مع القائلين بعدم الوجوب إلا حديث جابر (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار)
ومع أن هذا الحديث معلول، فإن حديث جابر بن سمرة وحديث البراء ابن عازب فرق بين نوعين من اللحوم، وكلاهما قد مسته النار،
فإما أن يكون الوضوء من لحوم الإبل متقدماً على حديث ترك الوضوء مما مست النار أو متأخراً عنه، فإن كان متأخراً لم يصح نسخه بنص متقدم عليه، لأن الناسخ يجب أن يكون متأخراً.
وإن فرضنا أن حديث الوضوء من لحوم الإبل كان متقدماً، قبل أن ينسخ الوضوء مما مست النار، فكيف يترك الوضوء من لحوم الغنم لمشيئة الفاعل، فكان يجب أن يكون الأمر بالوضوء منهما جميعاً، لكون اللحمين قد مستهما النار، فلا بد من القول: إن حديث ترك الوضوء من لحوم الغنم دليل على أنه متأخر عن الأحاديث التي تأمر بالوضوء مما مست النار، وإلا لأوجب الوضوء من لحوم الغنم، فلما ترك الوضوء من لحوم الغنم مع كونه قد مسته النار كان دليلاً على تأخر هذا الحديث عن أحاديث الوضوء مما مست النار، وتبين أن العلة في الأمر بالوضوء من لحوم الإبل ليست العلة كونه قد مسته النار، وإنما العلة فيه كونه من الإبل، سواء كان قد مسته النار أو لم تمسه النار، فيجب الوضوء منه مطلقاً، سواء كان مطبوخاً أو نيئاً، والله أعلم.