فنقول إن هذا العموم غير مراد هنا، بدليل أن هناك أموراً يكلف فيها الإنسان، ويكون المشروع إما أن يأتي بها كلها، أو يتركها كلها، فمن طلب منه صيام يوم، فلو استطاع أن يصوم بعضه لم يكلف به، لأن المطلوب هو صيام يوم كامل، وكذلك ما تقدم من الإطعام في الكفارة، فمن استطاع أن يطعم خمسة مساكين، والمطلوب إطعام العشرة لم يكلف بالإطعام، بل ينتقل إلى بدله، فكذلك في الطهارة، فالمطلوب أن يرتفع حدثه إما بالماء أو بالتيمم، وبعض الماء لا يرفع الحدث، فوجوده كعدمه، والتيمم كاف في رفع الحدث، فينتقل إليه.
دليل من فرق بين الوضوء والغسل.
قالوا: إذا وجد ماء يكفي بعض الوضوء فلا فائدة من استعماله، لأن الحدث لا يرتفع لعدم الموالاة، ويفارق هذا الغسل من الجنابة؛ لأن الحدث يرتفع عن قدر ما غسل؛ لأنه ليس من شرطها الموالاة (١).
هذا ما وقفت عليه من أدلة القوم: سواء من قال: يتيمم، ومن قال: يستعمل الماء، ثم يتيمم، وأما قول عطاء، بأنه لو وجد من الماء ما يغسل به وجهه، غسل وجهه، ومسح كفيه بالتراب، فلا هو فعل صفة التيمم المطلوبة، فيرتفع حدثه بالتيمم، ولا هو قام برفع حدثه بالماء، فجاء بطهارة جديدة ملفقة من طهارتين مختلفتين، فهذا قول لا أعرف له وجهاً من الشرع، ولا وجهاً من اللغة، والله أعلم.
[الراجح من الخلاف]
كنت فيما سبق أميل إلى القول بوجوب استعمال الماء، ثم التيمم
(١) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (١/ ٩٣).