كله، علم أن النجاسة إنما سرت عن طريق الماء المتنجس. فإن قال قائل: إذاً كيف حكمتم على الأمر بالإراقة بالشذوذ؟
فالجواب: لا يلزم من الحكم بنجاسة الماء الحكم بوجوب إراقته؛ لأن الماء إذا تنجس لا يكون نجس العين، إذ يمكن تطهيره، وإذا أمكن تطهيره أمكن الانتفاع به بخلاف ما إذا أوجبنا إراقته.
ولا يعني ذلك إذا حكمنا بنجاسة الماء أن نقول بنجاسة كل ماء قليل حلت فيه نجاسة ولو لم يتغير؛ لأن الكلاب خصت ببعض الأحكام من دون سائر النجاسات، فمنها التسبيع، ومنها التتريب، فلا يقاس الأخف على الأغلظ.
على أنه قد يقال: لا نسلم عدم التغير؛ لأن لعاب الكلب له لزوجة قد لا تتحلل في الماء فتظهر على شيء منه، فيكون هذا نوعاً من تغير الماء عن طبيعته بالنجاسة، فينجس والله أعلم.
ف الراجح أن سؤر الكلب نجس، خاصة إذا وقع الولوغ في الآنية، لأن الحديث إنما جاء نصاً في الآنية: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، وأما إذا ولغ في البرك والمستنقعات الكبيرة فإن ذلك لا يضر الماء، لأن الماء في هذه الحال كثير، وقد كانت مياه المسلمين في الفلاة يردها السباع والكلاب، ولم ينقل أنهم كانوا يجتنبون ذلك، والله أعلم.