قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل» دليل الاستحباب بالغسل من الإغماء، وإذا تكرر الإغماء استحب تكرار الغسل لكل مرة، فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات كفى غسل واحد، وقد حمل القاضي عياض الغسل هنا على الوضوء، ولكن الصواب أن المراد غسل جميع البدن، فإنه ظاهر اللفظ، ولا مانع يمنع منه، فإن الغسل مستحب من الإغماء، بل قال بعض أصحابنا: إنه واجب، وهذا شاذ، ضعيف (١).
وإذا كان هذا الغسل في حق المغمى عليه، فالمجنون من باب أولى؛ لأنه أشد.
دليل من قال: لا يشرع الغسل.
ذكر إن حديث عائشة السابق ليس فيه دليل على أن الغسل كان بسبب الإغماء، وإنما الغسل كان من أجل الحاجة لكي يتقوى للخروج إلى الصلاة بالمسلمين؛ لأنه لم يطلب الماء للغسل إلا حين قيل له: الناس عكوف في المسجد، ينتظرونك للصلاة، فلو كانت الصلاة في بيته لم يغتسل من أجل الإغماء، وفرق بين الغسل من أجل النشاط والقوة، وبين الغسل من أجل الإغماء.
وهذا أجود من حمل القاضي عياض، بأن المراد بالغسل الوضوء؛ لأنه خلاف ظاهر اللفظ.
(١) شرح صحيح مسلم (٤/ ١٣٦)، وقال أيضاً: فيه دليل على جواز الإغماء على الأنبياء عليهم الصلوات والسلام، ولا شك في جوازه؛ فإنه مرض، والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون، فإنه لا يجوز عليهم؛ لأنه نقص، والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم، وتسلية الناس بهم؛ لئلا يفتتن الناس بهم، ويعبدوهم .. الخ كلامه رحمه لله.