قلت: وقد طاف مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجته خلق كثير، وكثير منهم حديث عهد بالإسلام، ومع ذلك لم يأمرهم بالطهارة، وقد ينتقض وضوء كثير منهم أثناء الطواف، ومع هذا الاحتمال القوي، لم يبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يلزمهم الطهارة في الطواف، مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه يعلن أفعاله ليأخذ الناس مناسكهم، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشعر بأنه قد لا يحج العام القابل، وكان كما تنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا لم يدل دليل على وجوب الطهارة الصغرى للطواف، فكذلك لم يدل دليل على وجوب الطهارة من الجنابة، والله أعلم.
[الدليل الثاني]
قال ابن تيمية:«ثبت أيضاً أن الطهارة لا تجب لغير الصلاة».
(١٢٣٣ - ١٠٦) لما ثبت في صحيح مسلم، من حديث ابن جريج، حدثنا سعيد بن الحارث،
عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى حاجته من الخلاء، فقرب له طعام، فأكل، ولم يمس ماء. قال ابن جريج: وزادني عمرو بن دينار، عن سعيد ابن الحارث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إنك لم تتوضأ؟ قال: ما أردت صلاة فأتوضأ.
قال عمرو: سمعته من سعيد بن الحارث. اهـ (١).
ثم قال:«ما أردت صلاة، فأتوضأ» يدل على أنه لم يجب عليه الوضوء إلا إذا أراد صلاة، وأن وضوءه لما سوى ذلك مستحب، وليس بواجب)) اهـ.
(١) انظر الكلام علي الحديث، من حيث الاختلاف في متنه في رقم (٢٢٨) من كتاب الحيض والنفاس رواية ودراية.