فمثلوا قلوب بني آدم بالبهائم؛ لأنها تولد كاملة الخلق، ليس فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعد، وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب. فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذٍ ولا إيمان، ولا معرفة
ولا إنكار، كالبهائم السالمة فلما بلغوا استهوتهم الشياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم، ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء على الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبداً، ومحال أن يعقل الطفل حال ولادته كفراً أو إيماناً. والله سبحانه وتعالى يقول:
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً}(١)، فمن
لا يعلم شيئاً استحال منه كفر وإيمان، أو معرفة أو إنكار.
قال ابن عبد البر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها، والله أعلم؛ وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكياً عن ربه عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء. يعني: على استقامة وسلامة. والحنيف في كلام العرب: المستقيم السالم. وإنما قيل للأعرج: أحنف على جهة الفأل. كما قيل للقفر: مفازة.
دليل من قال: الفطرة: البداءة، والفاطر البادئ.
[الدليل الأول]
(٤٣٨ - ٢) استدلوا بما روى الطبري في تفسيره، قال: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، إبراهيم بن مهاجر،