لعل القائلين بالاستحباب ذهبوا إلى ذلك من باب الاحتياط، فإنهم حين رأوا الاختلاف في الحديث والاضطراب في إسناده ومتنه لم يجزموا بالوجوب، وحين رأوا ثبوت ذلك عن ابن عباس من قوله قوي عندهم القول بالاستحباب. واستدل بعضهم على أن الأثر للاستحباب من وجه آخر.
قال أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي:"إذا ثبت أن أصل الحديث الأمر بالتخيير بين الدينار وبين نصف الدينار، فأرى أن الأمر فيه ليس للوجوب، وإنما هو للندب، لأن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب على الحقيقة، ولا يكون للندب إلا مجازاً، والمجاز لا بد له من قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي، والقرينة هنا في نفس اللفظ، لأن التخيير في المأمور به بين أن يكون قليلاً أو كثيراً من نوع واحد، يدل على أن الزائد على القليل ليس واجباً، لأن الدينار الواحد له نصفان، وقد أمر مخيراً بين أدائه كله، وبين أداء نصف من نصفيه، فإذا أدى النصف كان آتياً بالمأمور به في أحد شقي الأمر، ولم يأت إلا ببعضه في الشق الآخر وبرئت ذمته بما أتاه من الأمور به، فكان الذي لم يأت به غير واجب عليه، بنفس دلالة اللفظ، فدل لفظ الأمر، على أن بعض مدلوله ليس مراداً به الوجوب فخرج بذلك عن الحقيقة إلى المجاز، وإذا خرج في بعض مدلوله عن الحقيقة لهذه القرينة القاطعة، خرج في كل مدلوله، لامتناع استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معاً، وتحقيق ذلك في موضعه من علم الأصول" اهـ.