ثانياً: أنه لا يذهب إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، ولم يتعذر هنا؛ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين، بينما النسخ فيه إبطال لأحدهما.
ثالثاً: أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل خاص، وترك الوضوء مما مست النار عام، والخاص مقدم على العام.
قال ابن القيم:((ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) ولا تعارض بينهما أصلاً؛ فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوساً بالنار، ليس جهة من جهات نقض الوضوء، ومن نازعكم في هذا؟ نعم هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار على صعوبة تقرير دلالته، وأما من يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء، سواء مسته النار أم لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ وحتى لو كان لحم الإبل فرداً من أفراده فإنما تكون دلالته بطريق العموم، فكيف يقدم على الخاص؟ هذا مع أن العموم لم يستفد ضمناً من كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي.
وأيضاً فأبين من هذا كله أنه لم يحك لفظاً لا خاصاً ولا عاماً، وإنما حكى أمرين: هما فعلان: أحدهما متقدم، وهو فعل الوضوء، والآخر متأخر، وهو تركه الوضوء من ممسوس النار، فهاتان واقعتان، توضأ في إحداهما، وترك الوضوء في الأخرى من شيء معين مسته النار، لم يحك لفظاً عاماً ولا خاصاً ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح ... الخ كلامه رحمه الله تعالى (١).