وعدم الاستفادة من أقوال الأئمة؛ فإن كتبهم ومؤلفاتهم من أعظم الأسباب التي تعين طالب العلم على فهم الأدلة الشرعية، ومراد الشارع منها، وبيان المخصص، والمقيد للأدلة العامة والمطلقة، ومنهجي في هذا البحث شاهد على ما أقول، ولكني في الوقت نفسه لا أرى الاكتفاء بكتب الفقه، والاقتصار على المتون، وعدم النظر في كتب السنة، وترك العناية في البحث فيها، وبيان صحيحها من ضعيفها.
ولقد أحسن الخطابي في مقدمة معالم السنن حيث قال: "رأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا على حزبين، وانقسموا إلى فريقين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع. وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب.
ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين، والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض، وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه - إخواناً متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين.
فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الحديث والأثر، فإن الأكثرين منهم إنما وكدهم الروايات، وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذى أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، ولا