يكن هناك نهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه أضاف الفعل إلى زمن التشريع، واستصحب ابن عمر هذا الحكم فكان يفعله في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستمر على فعله زمن الخلفاء الراشدين من غير نكير، ثم علم فيما بعد من رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن ذلك، وكون ابن عمر حين بلغه النهي ترك ذلك إنما فعله من باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولذلك كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال: زعم ابن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، ولم ينسب ذلك إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، وكما أن هذا يفهم من قوله:"زعم" ولم يقل أخبرنا، أو قال لنا. والله أعلم.
ولكن الجواب عن هذا هو ما ذكرناه عن الحديث الأول، وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يلزمه أن يبلغ كل فرد بالأمة، فإذا بلغ من تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة كفى.
والذي تلخص لي أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، غير مضاف إلى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يكون مرفوعاً، لأن الإقرار منه - صلى الله عليه وسلم - منتف في غير عهده - صلى الله عليه وسلم -، وهل يكون حجة؟
الجواب: إن خالف مرفوعاً لم يلتفت إليه أبداً. وإن خالف موقوفاً على صحابي آخر نظر في أدلة كل قول. وإن لم يخالف فإنه حجة لا لاعتبار كونه مرفوعاً ولكن باعتبار أنه قول لبعض الصحابة لا يعلم له مخالف، وقول الصحابة مقدم على قول غيرهم، فهم أقرب من غيرهم لفهم الشرع، وقد عاصروا الوحي، وهم أهل اللسان.