فأما ترجيح أن المراد به المجتاز، وليس المسافر، فيرجحه أن الله سبحانه وتعالى قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ...} الآية. فلو كان يقصد بقوله: إلا عابري سبيل هو المسافر، لم يكن لإعادة ذكره معنى.
وأما ترجيح تفسير {عَابِرِي سَبِيلٍ} بالمسافر، فيكفي أنه تفسير اثنين من الصحابة رضي الله عنهما، ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، ولأنه لا يحتاج إلى تقدير في الآية، فمعنى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} على حقيقته وليس مواضع الصلاة كما فسرها أصحاب القول الأول ... وتفسير الصحابة أحب إلى نفسي وإن كان
المراد بقوله "إلا عابري سبيل" أي المجتاز مراً. قال ابن كثير: "لو كان معنياً به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} معنى مفهوم". وانظر أحكام الجصاص (٣/ ١٦٩) ورجح أن المراد به المسافر، قال:"وما رري عن علي وابن عباس في تأويله أن المراد المسافر الذى لا يجد الماء فيتيمم أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد؛ وذلك لأن قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} نهى عن فعل الصلاة في هذه الحال، لا عن المسجد؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ، ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن تجعل الصلاة عبارة عن موضعها، كما يسمى الشيء باسم غيره للمجاورة أو لأنه تسبب منه كقوله تعالى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} يعني به مواضع الصلاة ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرف ذلك عن الحقيقة، وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقة الصلاة وهو قوله تعالى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} ".