أولاً: أن النهي عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه تنجس، ألا ترى أن الجنب قد نهي عن الاغتسال في الماء الدائم مع أن بدنه طاهر كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن المؤمن لا ينجس " متفق عليه، ومع ذلك لو انغمس في الماء الدائم فإنكم لا تقولون بنجاسته كما هو مذهب الحنابلة والشافعية، ورواية في مذهب الحنفية.
ثانياً: لم يتعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحكم الماء، ولم يقل إنه أصبح نجساً بمجرد البول فيه، فالحديث ليس فيه إلا النهي عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه.
ثالثاً: أن الماء الدائم يشمل ما فوق القلتين، وما دون القلتين وما يشق نزحه وما لا يشق، وما يتحرك آخره بتحرك طرف منه وما لا يتحرك.
قال ابن القيم:" إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم، ثم يغتسل البائل فيه، هكذا لفظ الصحيحين: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه " وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد ما بال فيه، وهذا خلاف صريح للحديث.
فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله في الماء فيما فوق القلتين؟
إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن منعته فقد نقضت دليلك.
وكذلك يقال لمن حده بمشقة النزح أو التحريك.
أما تفريق الظاهرية رحمهم الله فإنه غريب جداً، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم، مع أنه قد يحتاج إليه، فلأن ينهى عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق الأولى. ولا يستريب في هذا من علم حكمة الشريعة