واختلف المالكية في تفسير هذا الكلام من الإمام مالك، فقال الباجي في المنتقى (١/ ٣٥) ما حكاه ابن القاسم عن مالك أنه لم يحد في الوضوء شيئاً، معنى ذلك أنه لم يحد فيه حداً لا يجوز التقصير عنه، ولا تجوز الزيادة عليه، وأما تحديد فرضه ونفله فمعلوم من قول مالك وغيره ولا خلاف فيه نعلمه، وذلك أن الفرض في الوضوء مرة والأصل في ذلك آية المائدة قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} المائد: ٦. والأمر بالغسل أقل ما يقتضي فعله مرة واحدة؛ لأنه أقل ما يسمى به غاسلا لأعضاء الوضوء. وقد روي عن ابن عباس " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة " وأما النفل فمرتين وثلاثاً. وقد روى عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " توضأ مرتين مرتين " وروي عن عثمان أنه أراهم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً " وهو أكمل الوضوء وأتمه وهو حد للفضيلة. وأخذ ابن العربي كلام مالك على ظاهره، ولم يؤوله كما فعل الباجي، فقال في أحكام القرآن (٢/ ٧٧): المسألة الثامنة والأربعون: في تحقيق معنى لم يتفطن له أحد حاشا مالك بن أنس, لعظيم إمامته, وسعة درايته, وثاقب فطنته; وذلك أن الله تعالى قال: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية، المائد: ٦. وتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً, ومرتين في بعض أعضائه وثلاثاً في بعضها في وضوء واحد, فظن بعض الناس بل كلهم أن الواحدة فرض, والثانية فضل, والثالثة مثلها, والرابعة تعد, وأعلنوا بذلك في المجالس, ودونوه في القراطيس; وليس كما زعموا وإن كثروا, فالحق لا يكال بالقفزان, وليس سواء في دركه الرجال والولدان. اعلموا وفقكم الله أن قول الراوي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين وثلاثاً أنه =