فقيل: العلة كونها ذهباً وفضة، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - هي لهم، وإنها لهم ... الخ وقيل: لكونهما أثمان الأشياء، وقيم المتلفات، فلو أبيح استعمالهما لأفضى ذلك إلى قلتهما بأيدي الناس، فتفوت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم، وذكر الغزالي مثالاً له بالحكام الذين وظيفتهم التصرف لإظهار العدل بين الناس، فلو منعوا التصرف لأخل ذلك بالعدل، فكذلك في اتخاذ الأواني من النقدين حبس لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس. وهذه العلة هي الراجحة عند الشافعية. ويرد على هذا القول جواز اتخاذ الحلي للنساء من النقدين، وجعلهما سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد. وقيل: علة التحريم هي السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء. ويجاب عنه: بجواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة، وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذ، وقد نقل ابن الصباغ في الشامل الإجماع على الجواز (وإن كان الخلاف محفوظاً وقد أشرت إلى الخلاف فيما سبق) كما أن كسر قلوب الفقراء لا ضابط له، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة، والحدائق الجميلة، والمراكب الفارهة، والملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، وغير ذلك من المباحات. وقيل: العلة التشبه بالكفار. قال الحافظ: وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك. اهـ وفي نظر الحافظ نظر، فإن التشبه بالكفار كبيرة من كبائر الذنوب، والحديث قد نص على هذه العلة، فقال: فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وقيل: إن العلة ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها للكفار في الدنيا؛ إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج من عبوديته ورضي بالدينا وعاجلها، وهذه العلة والتي قبلها قريبتان. وقيل: العلة التشبه بأهل الجنة، قال تعالى: {يطاف عليهم بآنية من فضة} انظر فتح الباري (١٠/ ١٠٠)، وزاد المعاد (٣/ ١٧٨)، نيل الأوطار (١/ ٦٧).