قال ابن رجب: استدل بعضهم برد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثوب على كراهة التنشيف، ولا دلالة فيه على الكراهة، بل على أن التنشيف ليس مستحباً، ولا أن فعله هو أولى، ولا دلالة للحديث على أكثر من ذلك، كذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء. اهـ
وقال ابن حجر: استدل بعضهم بقوله: «فناولته ثوباً فلم يأخذه» على كراهة التنشيف بعد الغسل، ولا حجة فيه؛ لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عد الأخذ لأمر أخر لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلاً، أو غير ذلك. قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء، أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقال أيضاً عن ابن دقيق العيد بأن نفضه الماء بيديه يدل على أن لا كراهة للتنشيف؛ لأن كلاً منهما إزالة. وقال إبراهيم النخعي: إنما رده لئلا تصير عادة)). اهـ
قلت: كل هذه الاحتمالات واردة وإن كان الأصل عدمها، وأجود ما يقال: بأن رده للتنشيف يدل على عدم استحبابه، لكن لا يصيره مكروهاً، فلو تنشف الإنسان لم نجزم بالكراهة، ولم نقف على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تركه تعبداً، والله أعلم.
وقد ذكر لي بعض الإخوة أنه وقف على كلام لبعض الأطباء بأن خلايا الجلد تنتفع ببقاء الماء عليها بعد الوضوء والغسل، وأن إزالة الماء بخرقة ونحوها يفقد خلايا الجلد انتفاعه بالماء، فإن صح هذا الكلام فلا يبعد أن يستحب بقاء الماء بعد الوضوء، وإذا رغب الإنسان بإزالته ألا يزيله بخرقة وإنما يسلته سلتاً وهذا لا يفقد الجلد انتفاعه بالرطوبة الحاصلة بالماء، والله أعلم.