وأما حديث عمرو بن عبسة السلمي، فإنه وإن عبر بثم الدالة على الترتيب إلا أن الحديث لم يعلق صحة الوضوء على كلمة (ثم) ولم يُسَق الحديث أصلاً لبيان صفة الوضوء، وإنما سيق الحديث في بيان فضل الوضوء.
وأما إدخال الممسوح بين مغسولات، وأنه لا فائدة منه إلا ذكر الترتيب، فلا يستطيع الباحث أن يجزم بوجوب الترتيب بناء على هذه النكتة، وقد يقال: ذكر الممسوح بين المغسولات لبيان أن الترتيب مشروع.
وأقوى دليل للقائلين بوجوب الترتيب أن الترتيب هذا هو الوضوء المتلقى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخل به مرة واحدة، فمن توضأ وضوءاً منكساً فقد أتى بوضوء لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو على خلاف سنته، ومن عمل عملاً ليس عليه أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو رد على صاحبة، وإن كان هذا الدليل قد يحاولون الخروج منه بأن أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تدل على الوجوب، وإنما تدل على الاستحباب.
وعلى كل فالأخذ بالترتيب فيه احتياط للدين وخروج من الخلاف، خاصة أن الأمر يتعلق بأعظم العبادات بعد الشهادتين: وهي الصلاة.
ولو أن الإنسان ترك موضعاً يسيراً في ذراعه، ثم رآه بعد أن فرغ من وضوئه فلا بأس أن يغسل ذلك الموضع اليسير، ولا يعيد مسح رأسه وغسل رجليه؛ لأن المقدار يسير جداً، فهذا الإمام أحمد رحمه الله مع أنه يرى وجوب الترتيب ووجوب المضمضة والاستنشاق يسهل في ترك الترتبيب بين أعضاء الوضوء وبين المضمضة والاستنشاق، فقد جاء في مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه، قال: سمعت أبي سئل عن رجل نسي المضمضة والاستنشاق، وصلى؟