للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حكمة، ولا يفرق الشرع بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، والمؤمن متبع للشرع أبداً، لا يعبد عقله ونظره، وإذا بدا في الظاهر بعض التعارض بين العقل والشرع، كان العقل هو المتهم {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}.
وحين نبحث عن الحكمة إنما نبحث عنها من أجل القياس، لكي نلحق النظير بشبيهه، فإذا علمنا أن علة التحريم في الخمر هي الإسكار ألحقنا به كل مسكر، وإذا زالت علة الإسكار رجع الحكم إلى الحل، والله أعلم.
وهناك من أخذ بحديث بسرة لكونه ناسخاً لحديث طلق، قال ابن حبان في صحيحه (٣/ ٥٠٤): خبر طلق الذي ذكرناه خبر منسوخ؛ لأن طلق بن علي كان قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أول سنة من سني الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى إيجاب الوضوء من مس الذكر أبو هريرة، وأبو هريرة أسلم سنة سبع للهجرة، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع سنين. اهـ
قلت: الاستدلال بالنسخ بتأخر إسلام الراوي فيه نظر كبير؛ لأنه يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع هذا الحديث من صحابي قد تقدم إ سلامه، ومرسل الصحابي على الاتصال، وليست كل أحاديث أبي هريرة قد سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد استدل ابن حزم على النسخ بوجه آخر، حيث قال: وهذا خبر صحيح - يعني حديث طلق - إلا أنه لا حجة فيه لوجوه:
أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه، فإذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقيناً حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء من مس الفرج، فلا يحل ترك ما يتيقن أنه ناسخ، والأخذ بما تيقن أنه منسوخ.
وثانيها: أن كلامه عليه السلام " هل هو إلا بضعة منك " دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل بعده هذا الكلام، بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلاً، وأنه كسائر الأعضاء. اهـ
وكلام ابن حزم مبني على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه أنه قال: "وهل هو إلا بضعة منك " وهذا الذي لم يترجح عندي حتى الآن، فلو ثبت أن ذلك من كلامه - صلى الله عليه وسلم - لامتنع أيضاً أن يقال بالنسخ، وذلك أن الحكم إذا ربط بعلة لا يمكن أن تزول، كان الحكم أولى بأنه لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>