وأما رواية عبد الرحمن بن الأسود، عن الأسود، عن عائشة، فأخرجها أحمد (٦/ ٢٧٣) من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: سألتها، كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع، إذا كان هو جنب، وأراد أن ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كان يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم ينام. وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات إلا ابن إسحاق، فإنه صدوق، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن راهوية في مسنده (١٤٨٥)، والدارمي (٧٥٧). وتابع حجاج بن أرطأة ابن إسحاق، وحجاج ضعيف، ويمشي في المتابعات، فقد أخرجه أحمد (٦/ ٢٢٤) حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا حجاج، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجنب من الليل، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح، ولا يمس ماء. وأخرجه أحمد (٦/ ٢٦٠) حدثنا سليمان بن حيان، حدثنا حجاج به. وهذا المتن وإن كان إسناده فيه مقال، إلا أنه يوضح الإشكال القائم في إسناد أبي إسحاق، وأن المقصود بقوله: " ولا يمس ماء " يعني به: ولا يغتسل، وليس معناه أنه لا يتوضأ، وبهذا ينتفي الإشكال لكن هذا يقال: لو كان إسناد الحديث صحيحاً، أما وقد انفرد به مثل حجاج، فهو ضعيف، ومتنه منكر؛ لتفرده بهذا اللفظ. كما أن الحديث رواه غير الأسود عن عائشة، في الصحيحين وفي غيرهما، موافقاً لرواية إبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن الأسود، عن الأسود، عن عائشة، ولم يذكروا ما ذكره أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، وسوف يأتي تخريجها إن شاء الله تعالى عند ذكر أدلة القائلين بوجوب الوضوء عند النوم. فاختلف العلماء هل الحديثان محفوظان؟ أعني لفظ حديث أبي إسحاق، عن الأسود، ولفظ إبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن الأسود عن الأسود أو أن أحدهما أرجح من الآخر؟ فذهب أكثر العلماء إلى ترجيح رواية إبراهيم، وعبد الرحمن بن الأسود، وأن رواية أبي إسحاق خطأ ووهم، ذهب إلى ذلك إمام أهل السنة أحمد رحمه الله، وشعبة، ومسلم، والثوري وأبو داود، والترمذي، ويزيد بن هارون، وأبو حاتم الرازي وغيرهم، فهؤلاء هم أدرى الناس بعلل بالحديث، ومن خالفهم في هذا الشأن فقد تكلف، وتكلم بما لا يعرف. =