فقوله:«وليس ذلك من باب السنة التي هي غير الفرض» يقصد بالسنة: الطريقة المشروعة التي يدخل فيها الفرض والمندوب، ونص هنا على أن السنة المقصود بها الفريضة.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: «وأما قوله في حديث عائشة: ((يتوضأ وضوءه للصلاة» فيحتمل أنها أرادت بدأ بمواضع الوضوء، والدليل على ذلك أنه ليس في شيء من الآثار الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - في غسل الجنابة أنه أعاد غسل تلك الأعضاء، ولا أعاد المضمضة ولا الاستنشاق، وأجمع العلماء على أن ذلك كله لا يعاد، من أوجب منهم المضمضة والاستنشاق ومن لم يوجبها)) (١).
فإذا كان لا يرجع إلى أعضاء الوضوء مرة أخرى، وحكى فيه ابن عبد البر الإجماع، لزم على ذلك أحد ثلاثة أمور:
الأول: أما أن يكون غسله لأعضاء الوضوء كان بنية رفع الحدث الأصغر، فيلزم منه أنه لم يغسلها بنية رفع الحدث الأكبر، فيبقى الحدث الأكبر ما زال على أعضاء الوضوء؛ لأن الحدث الأصغر أدنى، فهو لا يغني عن الحدث الأكبر؛ لكونه أعلى منه وأشد، والأخف لا يتضمن الأشد.
الثاني: أن يكون غسل أعضاء الوضوء بنية رفع الحدثين، فيقال: هذه دعوى، إذ لو كان هذا شرطاً لرفع الحدث الأصغر، لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبينه القرآن، فلم يذكر في القرآن إلا قوله تعالى:{حتى تغتسلوا} وقال - صلى الله عليه وسلم -: «خذ هذا فأفرغه عليك».
الأمر الثالث: أن يكون غسله لأعضاء الوضوء كان بنية رفع الجنابة، وليس بنية رفع الحدث الأكبر، وهذا ما يفسر اكتفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بغسلها في الوضوء عن غسلها مرة أخرى عند غسل سائر جسده، وهذا هو المتعين.