للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن الوحي قد انقطع، والخلاف الفقهي في هذه الأمة قدر كوني وشرعي، وما زال الصحابة يختلفون في أمور الفقه، وما لم يعصم منه الصحابة فلن يعصم منه غيرهم، وإني لا يعجبني أبداً في أي بلد من المسلمين أن تقوم لجنة أو هيئة رسمية أو غير رسمية فتجعل من نفسها مرجعاً يجب الرد إليه عند التنازع في أمور فقهية قد حفظ فيها الخلاف، ولا ينبغي لها أن تتصدى بالرد على فلان أو فلان من طلبة العلم بسبب اختياره الفقهي ما دام داخلاً تحت الخلاف السائغ الذي قيل به من لدن السلف، ولا حجر عليها أن تذكر رأيها دون أن تتعرض لأحد باسمه، فمن شاء أن يأخذ بفتواها فله ذلك، ومن رأى أنه يسعه أن يأخذ برأي أحد من الأئمة فإن له ذلك أيضاً، ولا حجر عليه، وإذا أبت إلا الخوض في ذلك فلا بد أن يحفظ للطرف الأخر حقه بالرد عليهم، وبيان حجته فيما يطرحون، وأن يكون في مأمن من ظلمهم من منع كتابه من الطبع، فإن منع مثل ذلك يعتبر من الظلم والعدوان الذي لا يرضاه خلق ولا دين، ولم يكن من عمل السلف، فمن أعطى لنفسه حق الرد على الناس فليعط غيره حق الجواب على رده، ولا يسوغ أبداً أن يتكلم أحد في نيته أو في منهجه لمجرد أن رد على أحد من علماء عصره في مسألة يسوغ فيها الخلاف، وإذا كنا نعطي أنفسنا أن نخالف أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعائشة وابن عباس في مسائل فقهية وقع الخلاف بينهم فيها، وهم أجل قدراً وأوسع علماً، وقد زكاهم القرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم -، فمخالفة غيرهم من باب أولى، ولا يضيق بالخلاف من أوتى قدراً من العلم الشرعي، وعلم أن هذا سبيل المؤمنين، وليست المشكلة في الكلام النظري المجرد عن التطبيق، فإن كل واحد من

<<  <  ج: ص:  >  >>