للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن منع رأى أن ذلك لا يسلم من منة، والمنة نوع من الحرج والأذى، وقد قال سبحانه وتعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (١).

والحقيقة أن المنة لها تعلق بالآخذ وبالدافع، فإن كان يعرف من حال الدافع أنه يتبع هبته المن والأذى، لم يلزمه قبوله، فإن بعض الناس قد يمن بالشيء الحقير، وبعض الناس قد يرى أن أخذك لهديته نوع من الإحسان عليه، كما قال الشاعر:

يا ذا الذي يعطي الكثير وعنده ... أني عليه بأخذه أتصدق

كما أن بعض الناس لم يتعود أن يسأل الناس شيئاً، حتى ولو لم يكن في ذلك منة من الدافع، فقد تعود أن تكون يده دائماً عليا، واليد العليا خير من اليد السفلى.

وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس على ألا يسألوا الناس شيئاً، كما في صحيح مسلم، قال الراوي: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه (٢).

ثم هناك فرق بين أن يعطى الماء دون مسألة، وبين أن يسأل الناس الماء، ففي الأول أقل مِنَّة من الثاني.

وإذا غلب على ظنه أن يمنعه، أو يمن عليه ينبغي أن يقال: لا يجب عليه السؤال حتى على مذهب الجمهور القائلين بأنه إذا وهب له وجب عليه قبوله.

جاء في النوادر والزيادات: " وإنما على المسافر أن يطلب الماء ممن يليه، أو ممن يرجو أن يعطيه، وليس عليه أن يطلب أربعين رجلاً " (٣).


(١) الحج: ٧٨.
(٢) صحيح مسلم (١٠٤٣).
(٣) النوادر (١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>