ومع أن الحنفية يرون أن التيمم يرفع الحدث إلا أنهم في النية لم يجعلوا حكم التيمم حكم الماء من كل وجه، فلا يشترط عندهم نية التيمم للحدث أو للجنابة، بل يشترط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي أحد أمور ثلاثة: ١ - نية الطهارة من الحدث. ٢ - أو استباحة الصلاة ٣ - أو نية عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة، ومعنى كونها عبادة مقصودة أي لا تجب في ضمن شيء آخر بطريق التبعية. فلو تيمم لدخول المسجد لم يصح أن يصلي به؛ سواء كان محدثاً حدثاً أكبر أو حدثاً أصغر؛ لأنه إن كان محدثاً حدثاً أصغر فلفوات الشرطين: فدخول المسجد ليس عبادة مقصودة لذاتها، ويصح بدون الطهارة من الحدث الأصغر، وإن كان محدثاً حدثاً أكبر، فهو وإن كان لا يحل بدون طهارة، فلفوات الشرط الثاني: وهو كونه عبادة مقصودة لذاتها. ولو تيمم لقراءة القرآن، فإن كان جنباً جاز له أن يصلي به الصلوات، لأن القراءة عبادة مقصودة، وهو لا يحل من الجنب بدون طهارة، فصحت صلاته، وإن كان محدثاً حدثاً أصغر لم يصل به؛ لأن الطهارة من الحدث الأصغر للقراءة يصح بدون طهارة. هذا ملخص مذهب الحنفية في التيمم الذي تصح به الصلاة، أما التيمم الذي يصح، ولا يصلي به فلا يشترط فيه هذه الشروط، فلو تيمم لدخول المسجد، أو تيمم لرد السلام أو تيمم للأذان ولذكر الله صح تيممه لهذا، ولكن لا يصلي به، هذا هو الفرق بين من تيمم للجنازة، فيصلي به سائر الصلوات، وبين من تيمم للذكر، فيصح لما تيمم له، ولكن لا يصلي به، والله أعلم. انظر مذهبهم في الكتب التالية: البحر الرائق (١/ ١٥٧ - ١٥٨)، شرح فتح القدير (١/ ١٣١)، حاشية ابن عابدين (١/ ٢٤٥). ويتضح ضعف مذهب الحنفية رحمهم الله تعالى أنه إن تيمم عنده لقراءة القرآن، فإن كان جنباً فله أن يصلي بهذا التيمم، وإن كان محدثاً حدثاً أصغر فليس له أن يصلي به، مع أن الحدث الأصغر أخف من الحدث الأكبر، والفعل واحد، فهذا مما يدل على =