خوفاً من البرد، لم يصح كلامه في الجنب إذا تيمم لفقد الماء، وعمر وابن مسعود يمنعان الجنب من التيمم مطلقاً مع عدم الماء، ومع وجوده والخوف من استعماله، فلا بد من توجيه كلام ابن مسعود رضي الله عنه، خاصة أنه من كبار فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، فيقال: إن ابن مسعود ذكر سبباً واحداً من الأسباب التي حملته على القول بعدم تيمم الجنب، ولم يذكر كل الأسباب التي حملته على القول بالمنع، ولقد كان ابن مسعود رضي الله عنه شديد المتابعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فحين رأى أن عمر لم يقنع بكلام عمار كما ذكر ابن مسعود ذلك في مناظرته لأبي موسى، ورأى أنه تعارض عنده كلام عمر وكلام عمار، وعمر أفقه من عمار رضي الله عنه، فاتبع ابن مسعود أفقه الرجلين، ولا بد من القول بذلك؛ لأن الاعتذار الذي ذكره ابن مسعود رضي الله عنه من كونه منع ذلك من باب سد الذرائع لا يجوز القول به، وهو يؤدي إلى ترك الواجبات، والوقوع في المحرمات، وإنما كان ذلك من جملة المرجحات، وليس المرجح الوحيد، والله أعلم.
وأعتقد أن مذهب عمر وابن مسعود أصبح مهجوراً في هذا العصر، فليس له أتباع فيما أعلم، والعجب ليس من نسيان عمر رضي الله عنه ما حدث له مع عمار، فإن الإنسان مهما أوتي من حفظ فإنه معرض للنسيان، ولكن العجب كيف خفي على عمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه الأحاديث الأخرى في تيمم الجنب، كحديث عمران بن الحصين، وقد كان وقع ذلك في الغزو بشهود عدد كثير من الصحابة، وكيف خفي عليهم حديث أبي ذر رضي الله عنه، فأبو موسى لم يحتج على ابن