ترون القياس عليه سائغا أو تقيسوا على الذباب كل طائر, وعلى الدقش كل حيوان ذي أرجل, وعلى الدود كل منساب. ومن أين وقع لكم أن تقيسوا على ذلك ما لا دم له؟ فأخطأتم مرتين:
إحداهما أن الذباب له دم, والثانية اقتصاركم بالقياس على ما لا دم له, دون أن تقيسوا على الذباب كل ذي جناحين أو كل ذي روح. فإن قالوا: قسنا ما عدا ذلك على حديث الفأر في السمن. قيل لهم: ومن أين لكم عموم القياس على ذلك الخبر؟ فهلا قستم على الفأر كل ذي ذنب طويل, أو كل حشرة من غير السباع وهذا ما لا انفصال لهم منه أصلاً، والعجب كله من حكمهم: أن ما كان له دم سائل فهو النجس, فيقال لهم: فأي فرق بين تحريم الله تعالى الميتة وبين تحريم الله تعالى الدم؟ فمن أين جعلتم النجاسة للدم دون الميتة؟ وأغرب ذلك أن الميتة لا دم لها بعد الموت فظهر فساد قولهم بكل وجه (١).
والجواب على ما أثاره ابن حزم، أن يقال:
أولاً: ليس كل دم حرام، وإنما النص جاء في الدم المسفوح، فقال تعالى:{أو دماً مسفوحاً}.
(١٥٠٣ - ٣١) ثانياً: لا شك أن تحريم الميتة كان من أسبابها انحباس الدم، ولذلك روى البخاري في صحيحه من طريق سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة،
عن جده أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مدى فقال ما أنهر الدم وذكر