قال الباجي: قوله " فجعل يغسل ما رأى من الاحتلام حتى أسفر" يريد أنه تتبع ما كان في ثوبه من المني حتى أسفر الصبح، ورأى أن تطهير ثوبه الذي هو فرض، أولى من مبادرة أول الوقت الذي هو أفضل، وهذا يدل على نجاسة المني؛ لأن اشتغاله به وتتبعه له حتى ذهب أكثر الوقت وخيف عليه من ضيقه، وأنكر عليه عمرو بن العاص التأخير، وأمره باستبدال الثوب دليل على نجاسة الثوب عندهم، ولو لم يكن نجساً عندهم لما اشتغل عمر بغسله، ولو اشتغل به لقيل له: تشتغل عن الصلاة بإزالة ما لم تلزم إزالته (١).
وأجيب:
أولاً: أن قوله " فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح " ظاهر أن عمر قد رأى ذلك منه قبل أن يصبح، ثم إن قوله:" حتى أسفر " ليس فيه دليل على تأخير الصلاة كثيراً، وكون أمير المؤمنين رضي الله عنه حريصاً أن ينظف ثوبه من المني غير مستغرب، فإن المني مستقذر طبعاً، لا سيما في الثوب الذي يبدو به أمام الناس، فليس فيه دليل على أن عمر يرى نجاسة المني.
ثانياً: كونه يغسل أثر الاحتلام ليس نصاً في أنه يغسل المني فقط، فأثر الاحتلام قد يكون منياً مصحوباً بمذي، والمذي نجس.
ثالثاً: على فرض أن يكون عمر بن الخطاب يرى نجاسته، وهذا من باب التنزل، فإنه قد خالفه غيره من الصحابة ممن لا يرى وجوب غسله، كعائشة رضي الله عنها، وابن عباس كما سيأتي عنه قريباً إن شاء الله تعالى، فإذا