للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال النووي: قول المصنف: ولأن في الصحراء خلقاً من الملائكة والجن يصلون. هكذا قال أصحابنا واعتمدوه، ورواه البيهقي بإسناد ضعيف، عن الشعبي التابعي من قوله. وهو تعليل ضعيف؛ فإنه لو قعد قريباً من حائط، واستقبله، ووراءه فضاء واسع، جاز بلا شك، صرح به إمام الحرمين والبغوي وغيرهما، ويدل على ما قدمناه عن ابن عمر، أنه أناخ راحلته، وبال إليها، فهذا يبطل هذا التعليل، فإنه لو كان صحيحاً لم يجز في هذه الصورة، فإنه مستدبر الفضاء الذي فيه المصلون، ولكن التعليل الصحيح أن جهة القبلة معظمة، فوجب صيانتها في الصحراء، ورخص فيها بالنباء للمشقة (١). اهـ

قلت: الأحاديث القولية مطلقة، تشمل الاستقبال والاستدبار، والصحراء والبنيان، وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في البنيان، هل ورد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أنه إنما خالف النهي؛ لأنه كان في البنيان، أم أن كونه في البنيان وقع اتفاقاً، وإلا فهو وصف غير مؤثر في الحكم؟ الذي يترجح لي الثاني. ولو كان البنيان مؤثراً لما أطلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - النهي في أحاديث كثيرة منها حديث أبي أيوب، وسلمان وابن مسعود وأبي هريرة، وغيرها.

والذي يؤيد ذلك حديث جابر، فإن الراوي لم يذكر أنه كان في البنيان، ولم يذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمد إلى ساتر، فاعتماد أن البنيان مؤثر في الحكم، ويلحق به الساتر علة مظنونة مستنبطة، قد تكون علة مؤثرة، وقد لا تكون، وفهم جابر رضي الله عنه في حديثه قد بين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة، ثم وقع منه مخالفة لما نهى، وهو واضح أن النهي كان مطلقاً، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد خالف ذلك بعد أن نهى، واعتبار أن الفعل يكون


(١) المجموع (٢/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>