إتلاف نفسه، وهذا القول معروف عن أصحاب الشافعى وأحمد، وأما أحمد ومالك فجوزا له أكل الميتة دون القصر والفطر، قالوا: لأن السفر المحرم معصية، والرخص للمسافر إعانة على ذلك، فلا تجوز الإعانة على المعصية.
قال ابن تيمية: " وهذه حجج ضعيفة، أما الآية فأكثر المفسرين قالوا المراد بالباغي: الذى يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال، والعادي: الذى يتعدى القدر الذى يحتاج إليه، وهذا التفسير هو الصواب دون الأول؛ لأن الله أنزل هذا فى السور المكية الأنعام والنحل وفى المدينة ليبين ما يحل وما يحرم من الأكل، والضرورة لا تختص بسفر، ولو كانت فى سفر فليس السفر المحرم مختصاً بقطع الطريق والخروج على الإمام، ولم يكن على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - إمام يخرج عليه، ولا من شرط الخارج أن يكون مسافراً، والبغاة الذين أمر الله بقتالهم فى القرآن لا يشترط فيهم أن يكونوا مسافرين، ولا كان الذين نزلت الآية فيهم أولاً مسافرين، بل كانوا من أهل العوالي مقيمين، واقتتلوا بالنعال والجريد، فكيف يجوز أن تفسر الآية بما لا يختص بالسفر، وليس فيها كل سفر محرم، فالمذكور فى الآية لو كان كما قيل لم يكن مطابقاً للسفر المحرم؛ فإنه قد يكون بلا سفر، وقد يكون السفر المحرم بدونه، وأيضا فقوله:{غير باغ} حال من اضطر، فيجب أن يكون حال اضطراره وأكله الذى يأكل فيه، غير باغ ولا عاد؛ فإنه قال: فلا إثم عليه، ومعلوم أن الإثم إنما ينفى عن الأكل، الذى هو الفعل، لا عن نفس الحاجة إليه، فمعنى الآية: فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد، وهذا يبين أن المقصود: أنه لا يبغي فى أكله، ولا يتعدى، والله تعالى يقرن بين البغي والعدوان، فالبغى: ما جنسه ظلم، والعدوان: مجاوزة القدر المباح