وقد مال العلامة أحمد شاكر إلى كونه مرفوعاً، وحجته أن شعبة كان يقول بعد روايته للحديث: "أما حفظي فمرفوع، وأما فلان وفلان فقالا: غير مرفوع". فقال أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه للسنن (١/ ٢٥٠): "هذه الروايات عن شعبة، يفهم منها أنه كان واثقاً، وموقناً برفعه، ثم تردد واضطرب حين رأى غيره يخالفه فيرويه موقوفاً، ثم جعل هو يرويه موقوفاً أيضاً، وهذا عندنا لا يؤثر في يقينه الأول برفعه، وقد تابعه فيه غيره ... الخ كلامه رحمه الله. وعمدة هذا الترجيح بأن الحفظ القديم مقدم على الشك الطارئ، وهذا الكلام جيد، لو كان الاختلاف فيه فقط على شعبة، وكان حفظه الأول مرفوعاً ثم طرأ الشك، لكن الاختلاف في الحقيقة على شيخ شعبة، الحكم بن عتيبة نفسه، فكان يرويه تارة موقوفاً وتارة مرفوعاً. وكان شعبة سمعه من الحكم مرفوعاً ... ثم سمعه منه موقوفاً، فترك رفعه له، لا أن شعبة إنما ترك رفعه لأن غيره خالفه في الحكم. قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (١/ ٥٠ - ٥١) رقم ١٢١: "اختلفت الرواية، فمنهم من يروي عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً، ومنهم من يروي عن مقسم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. وأما من حديث شعبة، فإن يحيى بن سعيد أسنده. وحكي أن شعبة أسنده، وقال: أسنده الحكم لي مرة ووقفه مرة". ففي هذا الكلام فائدتان: الأولى: أن الشك في وقفه ورفعه من شيخ شعبة. الثانية: أن شعبة سمعه من الحكم مرفوعاً وموقوفاً. لقوله: "اسنده الحكم لي مرة، ووقفه مرة". فلما رأى شعبة أن شيخه لم يضبط حديثه تارة يرفعه وتارة يوقفه رجع عن رفعه له، وصرح بأن رفعه له من قبل جنون منه، فلا سبيل إلى الاحتجاج برواية الراوي وقد صرح بخطئه فيها. فقد أخرج ابن الجارود في المنتقى (١١٠): حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: ثنا بندار، قال: ثنا شعبة بهذا الحديث ولم يرفعه.