أما الشذوذ: فإن هذا الحديث فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، وهو في المياه كالأوسق في الزكاة والنصب في الزكاة، فكيف لا يكون مشهوراً شائعاً بين الصحابة، ينقله خلف عن سلف؟ لشدة حاجة الأمة إليه؛ فإن حاجتهم إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب الزكاة؛ لأن أكثر الناس لا تجب عليهم الزكاة، والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل مسلم، فيكون الواجب نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول، ووجوب غسله، ونقل عدد الركعات ونظائر ذلك. ومن المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع، وسالم، وأيوب، وسعيد بن جبير؟ وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن هذه السنة التي مخرجها من عندهم، وهم إليها أحوج الخلق؛ لعزة الماء عندهم؟ ومن البعيد جداً أن تكون هذه السنة عند ابن عمر، وتخفى على علماء أصحابه وأهل بلدته، ولا يذهب إليها أحد منهم، ولا يروونها ويديرونها بينهم. ومن أنصف لم يخف عليه امتناع هذا، فلو كانت هذه السنة العظيمة المقدار عند ابن عمر، لكان أصحابه، وأهل المدينة أقول الناس بها، وأرواهم لها، فأي شذوذ أبلغ من هذا، وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنه لم يكن فيه سنة من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا وجه شذوذه. اهـ
والجواب عن ذلك: أولاً: فهم ابن القيم رحمه الله أنه يلزم من تصحيح الحديث، القول بنجاسة الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة، ولو لم تغيره، عملاً بمفهوم هذا الحديث، فأطنب رحمه الله في بيان أن هذا لو كان صحيحاً لكانت الأمة في حاجته أكثر من حاجتها لبيان أنصباء الزكاة ... الخ كلامه المتقدم. ولا يلزم من تصحيح الحديث القول بمفهومه على ما سيأتي بيانه، ومنطوق حديث القلتين موافق لمنطوق حديث أبي سعيد الخدري: " الماء طهور لا ينجسه شىء". ثانياً: أن قوله رحمه الله: إن هذا الحديث لم يروه إلا ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد ابن جبير؟ فالجواب عليه أن يقال: إن حديث: " إنما الأعمال بالنيات " قد قال فيه علماء الإسلام كما في الفتح (١/ ١٧): إنه ثلث الإسلام، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، فيما نقله البويطي عنه، وأحمد ابن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وحمزة =