للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدلك ليس بواجب، بل لو قيل: إن في استحبابه نظراً لم يبعد قائله عن الصواب (١)،

ولا يقال: هذا من إسباغ الغسل، لأن الإسباغ في الطهارة المقصود به إكماله وإتمامه غير منقوص، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أسبغوا الوضوء، ويل


(١) اعتبر الحنفية الدلك من السنن والآداب انظر الفتاوى الهندية (١/ ١٤) كما استحب الدلك الشافعية وعللوا ذلك بالخروج من خلاف من أوجبه احتياطاً، وهذا يدل على أن المسألة ليست قائمة على سنة، وإنما على سبيل الاحتياط، انظر تحفة الحبيب (١/ ٢٤٤)، كما استحبه الحنابلة كذلك، انظر المغني لابن قدامة (١/ ١٣٨).
وقد ناقش الجصاص موضوع الدلك وقال كلاماً مقتضاه عدم الاستحباب، حيث يقول: " قال الله تعالى (فاغسلوا) فهو متى أجرى الماء على الموضع فقد فعل مقتضى الآية وموجبها، فمن شرط فيه دلك الموضع بيده، فقد زاد فيه ما ليس منه، وغير جائز الزيادة في النص إلا بمثل ما يجوز به النسخ ". فقوله " غير جائز الزيادة " يتقضي التحريم، وهذا يعني عدم المشروعية.
وقال السرخسي في المبسوط (١/ ٤٥): " والدلك في الاغتسال ليس بشرط إلا على قول مالك يقيسه بغسل النجاسة العينية، ولنا أن الواجب بالنص الأطهار، والدلك يكون زيادة عليه، والدلك لمقصود إزالة عين من البدن، وليس على بدن الجنب عين يزيلها بالاغتسال، فلا حاجة إلى الدلك ". اهـ
فهل هذا الكلام رد لمشروعية الدلك، أو رد لاشتراط الدلك، يتأمل، وإن كان الظاهر من كلام الحنفية في متونهم رد للاشتراط، والله أعلم.
وإن كنت أميل إلى عدم استحباب الدلك، وليس لموجب الحنفية، وهو الزيادة على النص، وإنما لكون الدلك لم ينقل في صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في الرأس خاصة، ولو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الدلك لبدنه، لنقله إلينا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فلما لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - دلك البدن، بقي القول بمشروعيته يفتقر إلى دليل، إلا أن هذا القول مني معلق على القول به من السلف، فإن ثبت أن أحداً قال به، فهو متجه، وإلا لزمت مذهب الاستحباب؛ لأنه أخف القولين، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>