الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الرحمة ومعلم الأمة محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الفقه الإسلامي العظيم الذي هو نسيج الإسلام المتين وشرع الله الحكيم، والذي به صاغ المسلمون حياتهم في ضوء النصوص الشرعية، فتوحدوا في العبادة والمعاملة والسلوك، هذا الفقه هو المنطلق الحضاري الرائع للأمة؛ لأنه يبني لها أصول عزتها، وقوام حياتها، ويضع لها مخطط عملها في المستقبل.
ولقد أسهم كتابي هذا ولله الحمد والمنة في أمرين أساسيين، بسبب دقته وتوثيقه وتميزه بالموضوعية والتجرد، وهما:
أولاً - إرشاد المسلمين والمسلمات إلى الأقوم، وتعليم الجيل أحكام دين الله وشرعه، في وقت اختلطت فيه العلوم، وقل فيه التخصص، ولم يعد الإفتاء في الحكم الشرعي دقيقاً، مما زاد في الجهل ومجانبة الصواب، بسبب قلة حلقات العلم ومدارسة الفقه على أيدي العلماء في المساجد والمدارس على وجه سليم أو كاف.
وثانياً - كان هذا الكتاب انتصاراً للمذاهب في وقت تعرضت فيه لهجمة شرسة من أناس منتمين في الظاهر للإسلام، وهم بعيدون عنه، أو من آخرين يدّعون الاجتهاد والتجديد، ويتذرعون بأخذ الأحكام الشرعية مباشرة من القرآن والسنة، وهم في الواقع يجهلون أبسط قواعد الاستنباط من الأدلة، بل ربما كانوا غرباء عن العلم وأصول الشريعة واللغة العربية. ولم يدروا أو تجاهلوا أن فقه