التعاقد بالمراسلة: أما الكتابة: فهي أن يكتب رجل إلى آخر: (أما بعد، فقد بعت فرسي منك بكذا) فبلغه الكتاب، فقال في مجلسه (أي مجلس بلوغ الكتاب): (اشتريت أو قبلت). ينعقد البيع لأن خطاب الغائب كتابة يجعله كأنه حضر بنفسه، وخوطب بالإيجاب فقبل في المجلس، فإن تأخر القبول إلى مجلس ثان لم ينعقد البيع.
وللكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود بشرط أن يكون قبل قبول الآخر ووصول الرسالة. ويرى جمهور المالكية أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر العرف مداها.
واتحاد المجلس شرط للانعقاد أيضاً في الإجارة والهبة، على التفصيل السابق في البيع.
وأما الخلع فإن شطر العقد الصادر من الزوج يتوقف (أي يظل ساري المفعول) على قبول الآخر وراء المجلس بالاتفاق، كأن يقول: خالعت امرأتي الغائبة على كذا، فبلغها الخبر، فقبلت، جاز.
وأما النكاح فهو كالبيع عند أبي حنيفة ومحمد، لا يتوقف شطر العقد فيه (أي لا يسري مفعوله) إلا إذا كان عن الغائب قابل، فإذا قال رجل للشهود:(اشهدوا أني قد تزوجت فلانة بكذا) وبلغها الخبر فأجازت أو قالت امرأة: (اشهدوا أني زوجت نفسي من فلان بكذا) فبلغه، فأجازها، لا ينعقد العقد في الحالتين عند أبي حنيفة ومحمد إلا إذا كان عن الغائب قابل.
وعند أبي يوسف: يتوقف شطر العقد في النكاح على قبول الآخر فيما وراء المجلس، فينعقد العقد في هذين المثالين بقبول الغائب، وإن لم يقبل عنه أحد في مجلس العقد.