إثبات ولاية القاضي: تثبت ولاية القاضي بشهادة شاهدين يخبران بمحل ولايته، وباستفاضته خبر تعيينه، والأولى أن يكتب له الإمام كتاباً بالتولية، اتباعاً لفعل النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنه كتب لعمرو بن حزم كتاباً لما بعثه إلى اليمن، وهو ابن سبعة عشر عاماً، وكتب أبو بكر رضي الله عنه كتاباً لأنس لما بعثه إلى البحرين، وختمه بخاتم رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وتثبت ولاية القاضي اليوم بقرار التعيين أو التوظيف وينشر في الجريدة الرسمية، وقد ينشر في الصحف اليومية. ويسن للقاضي الاستعانة بعلماء البلد الذي عين فيه، كما يتعرف على العدول ليتابع عمله بوجه أفضل.
[المبحث الثالث ـ حكم قبول القضاء]
اتفق الفقهاء على أنه إذا تعين للقضاء واحد يصلح له في بلد لزمه طلبه وقبوله، فإن امتنع عصى، كسائر فروض الأعيان، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه من عنده طعام منعه عن المضطر.
فإن وجد في البلد عدد يصلح للقضاء، فيجوز القبول والترك. وهل القبول حينئذ أفضل أو الترك؟
قال جمهور العلماء في المذاهب الأربعة: الترك أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلم:«من جعل قاضياً بين الناس، فقد ذبح بغير سكين»(١) وقد امتنع بعض الصحابة كابن عمر وبعض كبار الفقهاء كأبي حنيفة من قبول القضاء، لما ورد فيه من التشديد
(١) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وله طرق منها ما رواه ابن عدي عن ابن عباس (نيل الأوطار: ٢٥٩/ ٨ وما بعدها، نصب الراية: ٦٤/ ٤، سبل السلام: ١١٦/ ٤، تلخيص الحبير: ١٨٤/ ٤، الإلمام: ص ٥١٢).