الوفاء، أي إسقاط بعوض، والعوض هو إسقاط الآخر حقه، كما هو الحال في الطلاق على الإبراء، فكل من الطلاق والإبراء إسقاط، وكل منهما في مقابلة الآخر، فتكون المقاصة إسقاطاً فيها معنى المعاوضة، قال المالكية: إن المقصود من المقاصة: المعاوضة والإبراء. وقال الحنفية: إن في المقاصة وفاء، بل الوفاء في نظرهم لا يكون إلا من طريق المقاصة.
وهو إسقاط يقع جبراً، حتى في المقاصة التي لا تكون إلا عن تراض في رأي الحنفية.
ولكن ما الذي يسقط بالمقاصة؟ أهو نفس الدين أو المطالبة به؟ قال الجمهور غير الحنفية: إن المقاصة تسقط الدينين إن كانا متساويين، وتسقط مقدار الأقل منهما إن كانا متفاضلين، فيسقط من الأكثر بقدر الأقل إن تفاوتا قدراً، وتبرأ الذمم بها براءة إسقاط، لا براءة مطالبة فحسب.
ويرى الحنفية أن المقاصة لا تسقط أصل الدين، وإنما تسقط المطالبة به فقط، أما الدين فيبقى شاغلاً للذمة، وإن لم تصح المطالبة به، فهو أشبه بالحق الذي لا تسمع الدعوى به للتقادم، ويترتب عليه أنه يصح الإبراء من الدين بعد المقاصة براءة إسقاط، وتصح هبته، ويصح الحط منه، ويرجع من تبرع بقضاء دين عن إنسان على من أداه له إذا أبرأه غريمه منه، بعد هذا، براءة إسقاط. وهذا في الواقع رأي غريب تأباه العدالة، فمن أدى دينه إلى غريمه أو قاصه فيه، لا يفهم منه إلا أنه قام بما يلغي تبعته، ويطهر ذمته، لا أنه يسعى إلى دفع المطالبة فقط.
وإن كانت العين خيراً من الدين وتفضله؛ لأن الدين على خطر التوى والضياع، فهذا يظهر في دين يبقى دائماً، لا في دين ثابت يوفيه صاحبه بالعين،