للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقضاء، فلا يصلح؛ لأنه ليس في معنى البينة، فلم يجز القضاء به؛ لأن البينة المعتبرة أن يسمع القاضي الشهود في ولايته، أما ما يعلمه قبل ولايته فهو بمنزلة ما يسمعه من الشهود قبل ولايته، وهو لا قيمة له.

والخلاصة: إن أبا حنيفة يقول: ما كان من حقوق الله كالحدود الخالصة له، لا يحكم فيه القاضي بعلمه؛ لأن حقوق الله مبنية على المساهلة والمسامحة، وأما حقوق الناس المدنية، فما علمه القاضي قبل ولايته، لم يحكم به، وما علمه في ولايته، حكم به (١). والمعتمد عند المتأخرين من الحنفية وهو المفتى به: عدم جواز قضاء القاضي بعلمه مطلقاً في زماننا لفساد قضاة الزمن (٢).

وقال الشافعية: الأظهر أن القاضي يقضي بعلمه قبل ولايته أو في أثناء ولايته، أو في غير محل ولايته، سواء أكان في الواقعة بينة أم لا، إلا في حدود الله تعالى. وعلى هذا فيجوز للقاضي أن يقضي بعلمه في الأموال قطعاً، وفي القصاص وحد القذف على الأظهر؛ لأنه إذا حكم بما يفيد الظن وهو الشاهدان، فقضاؤه بالعلم أولى. وأما الحدود الخالصة لله كالزنا والسرقة والمحاربة وشرب المسكرات، فلا يقضي بعلمه فيها؛ لأنها تدرأ بالشبهات، ويندب سترها، لكن إن اعترف إنسان بموجب الحد في مجلس الحكم قضى فيه بعلمه (٣)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «فإن اعترفت فارجمها».

[٢ - قضاء القاضي بكتاب قاض آخر إليه]

اتفق الفقهاء على أن القاضي له أن يقضي بكتاب قاض آخر إليه فيما ثبت


(١) المبسوط: ٩٣/ ١٦، البدائع: ٧/ ٧، مختصر الطحاوي: ص ٣٣٢.
(٢) الدر المختار ورد المحتار: ٤ ص ٣٦٩.
(٣) مغني المحتاج: ٤ ص ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>