وفرضت بمكة قبل الهجرة، لما روى الدارقطني عن ابن عباس قال:«أذن للنبي صلّى الله عليه وسلم في الجمعة قبل أن يهاجر، فلم يستطع أن يجمع بمكة، فكتب إلى مصعب بن عمير: «أما بعد، فانظر إلى اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله بركعتين».
فأول من جمّع مصعب بن عمير حتى قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، فجمع عند الزوال من الظهر. وكان أسعد بن زرارة هو الذي جمع الناس، وكان مصعب نزيلهم، وكان يصلي بهم، ويقرئهم ويعلمهم الإسلام، وكان يسمى المقرئ، فأسعد دعاهم، ومصعب صلى بهم.
والدليل على أن الجمعة فرض مستقل، وأنها ليست ظهراً مقصوراً، وإن كان وقتها وقت الظهر، وتدرك به: هو أن الظهر لايغني عنها، ولقول عمر رضي الله عنه:«الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى»(١).
[المطلب الثاني ـ فضل السعي إلى الجمعة وحكمتها]
حكمتها: الجمعة شرعت لدعم الفكر الجماعي، وتجمع المسلمين وتعارفهم وتآلفهم، وتوحيد كلمتهم، وتدريبهم على طواعية القائد، والتزام متطلبات القيادة، وتذكيرهم بشرع الإسلام دستوراً وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً وسلوكاً، وتنفيذاً لأوامر الجهاد، وما تتطلبه المصلحة العامة في الداخل والخارج، والأمر
(١) رواه الإمام أحمد وغيره، وقال النووي في المجموع: إنه حسن.