للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن تيمية: «من رحمة الله سبحانه وتعالى أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام؛ وشرعها على أكمل الوجوه، المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع» (١). واستعرض العز بن عبد السلام مفاسد الجرائم التي شرعت عنها الزواجر من الحدود والتعزيرات بعبارة دقيقة البيان عميقة التحليل (٢).

وقال الشاطبي في الموافقات: «إن أحكام الشريعة ماشرعت إلا لمصلحة الناس، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله» ......

٤) ـ فلسفة التوبة أو هل تؤثر التوبة على المصلحة المقصودة من العقاب؟.

إن الشريعة الإسلامية ـ كما هو معروف ـ تستهدف في أحكامها حماية مصالح الدنيا، وحفظ مقاصد الآخرة، بل إن الدنيا في الحقيقة مزرعة الآخرة، كما ورد في الأثر.

وبناء على هذا فلا يتصور أن تكون التوبة سبباً في ضياع مصلحة الجماعة في تطبيق العقوبة، ولا وسيلة تؤدي إلى الإغراء بالمعاصي والتجرئة عليها أو تسهيل ارتكابها، وإنما على العكس تكون التوبة الصادقة مساعدة على استئصال شأفة الجريمة، لأنه إذا كانت الغاية الأولى للعقاب هي إصلاح المجرم، فإن التوبة أقوى تأثيراً في تحقيق تلك الغاية لصدروها عن باعث ذاتي واقتناع داخلي. فهي إذن تفتح باب الأمل أمام المخطئين، وتدفعهم إلى معترك الحياة بروح إيجابية جديدة وحيوية وفعالية منتجة.


(١) انظر رسالته في القياس ص ٨٥ والسياسة الشرعية له: ص ٩٨.
(٢) قواعد الأحكام: ١٦٣/ ١ - ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>