للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن استووا في جميع ما ذكر وتنازعوا، أقرع بينهم، والعدل أولى من الفاسق (وإن كان أفقه أو أقرأ)، والبالغ أولى من الصبي (وإن كان أفقه أو أقرأ)، والحر أولى من العبد، والمقيم أولى من المسافر، وولد الحلال أولى من ولد الزنا، والأعمى مثل البصير؛ لأن الأعمى لا ينظر إلى ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر إلى الخبث فهو أحفظ لتجنبه، أي أبعد عن النجاسة.

مذهب الحنابلة (١): الأولى بالإمامة الأجود قراءة الأفقه، لحديث أبي سعيد الخدري: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (٢)، وقدم النبي صلّى الله عليه وسلم أبا بكر لأنه كان حافظاً للقرآن وكان مع ذلك من أفقه الصحابة رضي الله عنهم. ومذهب أحمد تقديم القارئ على الفقيه، لحديث أبي مسعود السابق: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، وهذا خلاف مذاهب الأئمة الآخرين، فإنه يقدم عندهم الأفقه كما بينا، لأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، بخلاف ما عليه الناس اليوم، ولأن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة.

ثم الأجود قراءة الفقيه، ثم الأجود قراءة فقط، وإن لم يكن فقيهاً، إذا كان يعلم أحكام الصلاة وما يحتاجه فيها، ثم الأفقه والأعلم بأحكام الصلاة، ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي لا يحسن الفاتحة؛ لأنها ركن في الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، فإن استووا في عدم القراءة قدم الأعلم بأحكام الصلاة.

فإن استووا في القراءة والفقه، قدم أكبرهم سناً، لحديث مالك بن الحويرث المتقدم: «وليؤمكم أكبركم»، ثم الأشرف نسباً: وهو من كان قرشياً، قياساً على


(١) المغني: ١٨١/ ٢ - ١٨٥، كشاف القناع: ٥٥٤/ ١ - ٥٥٦.
(٢) رواه مسلم، وروى أبو داود عن ابن عباس مرفوعاً: «ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم أقرؤكم».

<<  <  ج: ص:  >  >>