للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفرد أو القارن من الحل ولو كان مقيماً بمكة؛ ولم يزاحمه الوقت بحيث يخشى فوات الحج إن اشتغل بالقدوم، فإن خشيه خرج لعرفة وتركه؛ ولم يُردف الحج على العمرة في حرم. فإن اختل شرط من الثلاثة لم يجب عليه طواف القدوم ولادم عليه. ووجوب الدم على من ترك طواف القدوم بشرطين: أولهما ـ أن يقدم السعي بعد ذلك الطواف على الإفاضة. وثانيهما ـ ألا يعيد سعيه بعد الإفاضة حتى رجع لبلده. فإن أعاده بعد الإفاضة، فلا دم عليه.

وأما طواف الإفاضة أوالزيارة (١): فهو ركن باتفاق الفقهاء، لا يتم الحج إلا به، لقوله عز وجل: {وليطًّوفوا بالبيت العتيق} [الحج:٢٩/ ٢٢] قال ابن عبد البر: هو من فرائض الحج، لا خلاف في ذلك بين العلماء. وقالت عائشة: «حججنا مع النبي صلّى الله عليه وسلم، فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، قال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: اخرجوا» (٢) فدل على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به، ولأن الحج أحد النسكين، فكان الطواف ركناً كالعمرة.

فمن ترك طواف الزيارة، رجع من بلده متى أمكنه محرماً، لا يجزئه غير ذلك، لقصة صفية المتقدمة، فإنه صلّى الله عليه وسلم قال بعد أن حاضت: «أحابستنا هي؟ قيل: إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: فلتنفر إذاً». فهذا يدل على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به، فإن نوى التحلل ورفض إحرامه، لم يحل بذلك؛ لأن الإحرام لا يخرج منه بنية الخروج. وعلى هذا فإذا فات طواف الإفاضة عن أيام النحر لا يسقط، بل يجب أن يأتي به؛ لأن سائر الأوقات وقته.


(١) سمي طواف الإفاضة: لأنه يؤتى به عند الإفاضة من منى إلى مكة، وسمي طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم، وإنما يبيت بمنى.
(٢) متفق عليه (نيل الأوطار: ٨٨/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>