للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرى بسبب الحرب بقوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم، فشدوا الوثاق، فإما منَّاً بعد، وإما فداءً} [محمد:٤/ ٤٧] قالوا: إن الاسترقاق قد فهم من الأمر بشد الوثاق، كما استدلوا بما ثبت في السير والمغازي من أن الرسول صلّى الله عليه وسلم استرق بعض العرب

كهوازن وبني المصطلق وقبائل من العرب (١)، واسترق النبي أسرى في غزوة خيبر وقريظة وفي غزوة حنين، وسبى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بني ناجية من قريش، وفتحت الصحابة بلاد فارس والروم، فسبوا من استولوا عليه.

والحكمة من الإبقاء على مشروعية الرق في النصوص الشرعية: هو مراعاة الأوضاع القائمة في المجتمعات القديمة، لأن الرق كان عماد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولا يعقل أن يحرمه الإسلام ويبقى مباحاً عند الأمم الأخرى التي تسترق أسرى المسلمين، ولا يعاملهم المسلمون بالمثل، والمعاملة بالمثل كان منهج الشريعة والخلفاء في العلاقات الخارجية، عملاً بأحكام السياسة الشرعية المؤقتة، وتحقيقاً للمصلحة الإسلامية العامة، ولكن الإسلام أيقظ الضمير العالمي بتنبيه الناس إلى علاج مشكلة الأرقاء وضرورة الإحسان إليهم في المعاملة والتخلص التدريجي من هذه الظاهرة بالعتق وفتح منافذ دينية له، حتى إن العتق من أفضل القربات إلى الله تعالى.

وأما المن فثابت جوازه في قوله تعالى: {فإما مناً بعد وإما فداء} [محمد:٤/ ٤٧] وادعاء نسخ هذه الآية بآية براءة السابق ذكرها وهي {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:٥/ ٩] لا دليل عليه، ولا حاجة إليه، لإمكان الجمع بين الآيتين، بحمل آية براءة على الأمر بالقتال عند وجود العدوان، وفي أثناء قيام


(١) نيل الأوطار: ٨ ص ٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>