للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الثاني ـ نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة]

قال الحنفية (١): يجوز القصر في كل سفر، سواء أكان قربة أم مباحاً أم معصية، فيجوز القصر لقاطع الطريق ونحوه ممن كان عاصياً بسفره؛ لأن القبح المجاور لشيء مشروع لا يعدم المشروعية، والقبح المجاور: هو ما يقبل الانفكاك كالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة، فإنه قبُح لترك السعي، وهو قابل للانفكاك، إذ قد يوجد ترك السعي للجمعة، بدون البيع، وبالعكس، فكذا السفر، فإنه يمكن قطع الطريق والسرقة مثلاً بلا سفر، وبالعكس. أما القبح لعينه كالكفر، أو القبح شرعاً كبيع الحر، فإنه يعدم المشروعية. ودليلهم بعبارة أخرى على أن العاصي والمطيع في سفرهما سواء في الرخصة: هو إطلاق النصوص وهو: {وإذا ضربتم في الأرض .. } [النساء:١٠١/ ٤] ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، فلا يؤثر على رخصة القصر.

وقال الجمهور غير الحنفية (٢): لا تباح الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر والمسح ثلاثاً والصلاة على الراحلة تطوعاً في سفر المعصية كالإباق، وقطع الطريق، والتجارة في الخمر والمحرمات، وهذا هو العاصي بسفره أي الذي أنشأ سفراً لأجل المعصية أو يقصد محلاً لفعل محرم، فلا يقصر الصلاة، ويحرم عليه القصر؛ لأن السفر سبب الرخصة، فلا تناط بالمعصية، فيكون المبدأ عندهم: (الرخص لا تناط بالمعاصي) حتى أكل الميتة، لقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد، فلا إثم عليه} [البقرة:١٧٣/ ٢]، أباح الأكل إن لم يكن عادياً ولا باغياً، فلا يباح لباغ ولاعاد، ولأن الترخص شرع للإعانة على تحصيل المقصد


(١) الدر المختار: ٧٣٣/ ١، ٧٣٦، تبيين الحقائق: ٢١٥/ ١ ومابعدها، فتح القدير: ٤٠٥/ ١ ومابعدها.
(٢) بداية المجتهد: ١٦٣/ ١، الشرح الصغير: ٤٧٧/ ١، مغني المحتاج: ٢٦٨/ ١، المهذب: ١٠٢/ ١، المغني: ٢٦١/ ٢ ومابعدها، ٥٩٧/ ٨، كشاف القناع: ٥٩٦/ ١،١٩٤/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>