للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضابط لاختلاف الجنس عند الحنفية: هو بحسب اختلاف الأصل كخل التمر مع خل العنب، ولحم البقر مع لحم الضأن، أو باختلاف المقصود كشعر المعز وصوف الغنم، فإنه يختلف القصد من استعمال كل منهما في الصناعات، أو بتبدل الصفة كالخبز مع الحنطة، فإن الخبز صار عددياً أو موزوناً، والحنطة مكيلة. وعلى هذا فتعتبر لحوم الإبل والبقر والغنم وألبانها أجناساً مختلفة، فيجوز التفاضل فيما بينها، والحنطة والشعير والذرة ونحوها أجناس مختلفة، والخبز مع الدقيق أو الحنطة جنسان، والشحم مع اللحم جنسان، والزيت مع الزيتون، والزيت المطبوخ بغير المطبوخ، جنسان لاختلاف المقصود والغرض منهما، وهكذا بحسب الضابط المذكور (١).

أدلة الحنفية: استدل الحنفية على أن علة الربا هي الكيل أو الوزن: بأن التساوي أو المماثلة في العوضين شرط في صحة البيع، وحرمة الربا لوجود فضل مال خال عن العوض، وهذا يوجد في غير المنصوص عليه في الحديث السابق، مثل الجص والحديد ونحوهما. والتساوي أو المماثلة بين الشيئين يكون باعتبار الصورة والمعنى. والقدر المتفق (وهو الكيل أو الوزن) يحقق المماثلة صورة، والجنس يحقق المماثلة معنى؛ لأن المجانسة في الأموال عبارة عن تقارب المالية، فالقفيز يماثل القفيز (٢)، والدينار يماثل الدينار، فيكون القفيز الزائد فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة، فكان ربا، وهذا المعنى لا يخص المطعومات والأثمان، بل يوجد في كل مكيل يباع بجنسه، وموزون يبادل بمثله (٣).

وبعبارة أخرى: إن المراد من الحنطة مثلاً في الحديث السابق هو أنها مال


(١) فتح القدير: ٢٩٧/ ٥ ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار: ١٩٣/ ٤ وما بعدها.
(٢) القفيز: مكيال، وهو ثمانية مكاكيك والمكوك: صاع ونصف.
(٣) المبسوط: ١١٦/ ١٢، البدائع: ١٨٤/ ٥، فتح القدير: ٢٧٧/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>