للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى: {محمدٌ رسول ُالله، والذين معه أشدَّاء على الكفّار، رُحَماء ُ بينهم ... } [الفتح:٢٩/ ٤٨] وسمة المسلم وشأنه وخاصيته الرحمة بالآخرين، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمْكم من في السماء» (١) وقال أيضاً، «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» (٢) وفي حديث آخر: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» (٣).

قال ابن تيمية رحمه الله: إن إقامة الحد من العبادات، كالجهاد في سبيل الله، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق، بكف الناس عن المنكرات لإشفاء غيظه، وإرادة العلو على الخلق، بمنزلة الوالد إذا أدّب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده، كما تشير به الأم رقة ورأفة، لفسد الولد، وإنما يؤدبه رحمة به، وإصلاحاً لحاله، مع أنه يود ويؤثر ألا يحوجه إلى تأديب (٤).

وأما العدالة: فتقتضيها موازين العقوبات العامة، ويوجبها إلزام السلطة الحاكمة بالعدل، حتى لا تضطرب الموازين، ولئلا يتجرأ المفسدون في الأرض على متابعة فسادهم دون رقيب ولا عتيد، ولأن مبدأ الإسلام أن كل إنسان مجزي بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال الله تعالى مبيناً مهام الأنبياء والمرسلين ووظائفهم العامة: {لقد أرسلنا رُسلنا بالبيِّنات، وأنزلنا معهم الكتابَ والميزانَ، ليقوم الناسُ بالقِسْط، وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ، ومنافعُ للناس} [الحديد:٢٥/ ٥٧].


(١) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه وهوصحيح.
(٢) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه وهو صحيح.
(٣) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حسن.
(٤) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>