صرح الحنفية (١) بأنه يجوز الحجر للمصلحة العامة؛ لأنه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام أو يدفع الضرر الأعلى بالأدنى، فيحجر (أي يمنع) على الطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، والمُكاري المفلس. وذلك بأن يسقي المتطبب الناس دواء مهلكاً، أو لا يقدر على إزالة ضرر دواء اشتد تأثيره على المرضى.
والمفتي الماجن: بأن يعلم العوام الحيل الباطلة، كتعليم الارتداد لتبين المرأة من زوجها، أو لتسقط عنها الزكاة، ولا يبالي بما يفعل من تحليل الحرام، وتحريم الحلال؛ أو أن يفتي عن جهل.
والمُكَارِي المفلس: وهو الذي يتقبل الكراء، ويؤجر وسائل النقل من إبل أو سيارات مثلاً، وليست عنده تلك الوسائل، كما أنه لا مال له، ليشتري بها الوسائل، ويعتمد الناس عليه، ويدفعون الكراء إليه، ويصرف هو ما أخذه منهم في حاجته، فإذا جاء موعد النقل، يختفي عن الأنظار، فتذهب أموال الناس، وتتعطل مصالحهم. وبكلمة موجزة: المكاري المفلس: هو متعهد النقل بدون إمكانات، فهو محتال نصاب.
فيحجر على هؤلاء وأمثالهم؛ لأن دفع الضرر العام واجب، وإن كان فيه إلحاق الضرر الخاص ومصادمة الحريات. والحجر في هذه الحالات عقوبة مناسبة لزجرهم ودرء المفاسد عن الناس، لهذا روي عن أبي حنيفة أنه كان لا يجري الحجر إلا على هؤلاء الثلاثة؛ لأن الطبيب يضر الأبدان، والمفتي يضر الأديان، والمكاري يضرّ الأموال.
(١) تبيين الحقائق: ١٩٣/ ٥، الدر المختار: ١٠٢/ ٥ ومابعدها، البدائع: ١٦٩/ ٧، الهداية مع تكملة الفتح: ٣١٦/ ٧، الكتاب مع اللباب: ٦٨/ ٢.